تمثال السجين المجهول!        

Monument Du Prisonnier Inconnu!

        

قال لي ساطع عبد الحسين ونحن نجلس في ساحة الأمير عبد القادر:

"فتحت السجون العراقية ليخرج منها سجناء النضال ضد الديكتاتورية وفي سبيل الحرية وليوضع فيها سجناء النضال ضد الاحتلال وفي سبيل الحرية. هناك كثير من السجناء الأول لن ينعموا بالحرية طويلا وسيعودون إلى السجن من جديد.

كانت هناك لحظات مضيئة حتى في السجن. كانت تهرب لنا الكتب والأطعمة والأدوية ورسائل التشجيع بواسطة بعض السجانين، فليس كل ضباط البوليس والسجانين عملاء لصدام. ومن أهم ما حدث لي هو أني بعد أن قضيت خمس سنوات في السجن زارني رجل متنكرا وقال لي: أنا أحد ضباط البوليس الذين فتشوا بيتك وصادروا كتبك وبينها هذه المخطوطات الشعرية وهي خمسة دفاتر شعرية لم تنشر وظننت أنني فقدتها إلى الأبد."

سلمني الرزمة وقال لي: "احتفظت لك بها. أنا لا أفهم في السياسة ولكني أفهم في الشعر وهذه الدفاتر ليست ملكك وحدك ولكنها ملك الشعب العراقي بل ملك الإنسانية جمعاء".

ثم توقف لحظة يبتلع ريقه وشرب كأسا من الماء وارتشف رشفة من القهوة وأضاف:

" هناك سجناء يقبضون ثمن سجنهم أضعافا وهناك سجناء يموتون في كل العصور وفي كل أنحاء العالم من أجل آرائهم ولا يسمع بهم احد. أقترح أن يوضع مثل نصب الجندي المجهول الذي يمثل من ماتوا في الحروب ولم يعرف لهم قبر، تمثال للسجين المجهول وراء القضبان يمثل كل سجناء الرأي والحرية من الذين ماتوا أو قتلوا ولم يسمع بهم أحد أو دخلوا السجن ولم يخرجوا ولا يعرف أحد مصيرهم. تمثال يمثل كل الذين ماتوا في سجون صدام أو الاحتلال الإسرائيلي أو الاستعمار أو الديكتاتورية الفردية والحزبية والدينية أو النازية أو الخمير الحمر. "

-" هل أنت نادم على هجرتك إلى أمريكا؟"

-" أبداً. كنت مضطراً والهجرة مشروعة للبحث عن لقمة العيش أو الأمن أو الحرية أو البحث عنها جميعاً. إلاّ أنّ للهجرة مصاعبها وأوّلها العنصريّة. لا بد أن يواجه المهاجر العنصرية في كل مكان على سطح الأرض. طالما هناك بشر هناك عنصريّة تلبس قناع الوطنية وتعتبر المهاجر دخيلاً مرتزقاً تحوطه الشكوك ولا يوحي بالثقة. ستجد في كل مكان أناساً يعادونك لمجرد أنّك تختلف عنهم في اللون أو العرق أو الدين. لا تشفع لك عندهم كفاءتك ونزاهتك وتفانيك في العمل. لذلك أنت مضطر في المهجر للتكتل مع أبناء جلدتك أو معتقدك. هذا الدرس تعلمته بعد كثير من المعاناة . وهذا لا يعني أنك لا تجد أناساً منصفين ونزيهين وغير عنصريين ولكن الكثرة الكاثرة تستمع إلى من يدغدغ عواطفها من السياسيين المحترفين لا إلى من يطالبها بالسمو بسلوكها وفقاً للمبادئ والقيم الإنسانيّة من المفكرين والفلاسفة والأدباء".

 

                                                                                 عبد الله خمّار               

                                                         من رواية "حب في قاعة التحرير"                      

                                                 الورقة الثانية عشرة: القطيعة